نعمة محمد عبد الرحيم شخصية هامة
عدد المساهمات : 930 تاريخ التسجيل : 21/11/2010 الموقع : المنيا / مصر
| موضوع: وجهة نظر («أمن الدولة» والخطاب السياسى الجديد) مارس 7th 2011, 13:36 | |
| «أمن الدولة» والخطاب السياسى الجديد
بقلم مروى مزيد ٧/ ٣/ ٢٠١١ الشعب أسقط «أمن الدولة»، ولكن هذا لا يجب أن يعنى أنه أسقط «أمن» الدولة والمجتمع. فرُب إسقاط يؤتى بإعلاء. «التضاد يبرز المعنى ويوضحه» كما حفظنا فى دروس النصوص، ربما دون استيعاب كامل. دائما ما تساءلت: أى «معنى» الذى وُضّح من التضاد؟ ولكن الآن أدرك الفكرة الجوهرية: إسقاط «أمن الدولة» قد يعنى إعلاء «أمن» الدولة والمجتمع.
ولكن كيف يستمر الأمن، وهو من أهم الحاجات الإنسانية، فى ظل تطور سريع للأحداث، تتحقق فيه أهداف الثورة كما يراها الثوار من جهة، وفى ظل تخوف وتوتر «المحافظين» من أبناء الشعب من جهة أخرى الذين عند كل مفترق طريق ينادون «بالاكتفاء بما حقق» و«بإعادة الحياة لطبيعتها».
قطعاً لست ممن ينادى «بفوضويات تجريبية»، خصوصا حين تكون «دراسة الحالة» هى مصر، بلدى، وليست أى دولة أخرى «أدرسها». ولكنى أيضا ضد إغلاق دائرة «الممكن» لمجرد الخوف من المجهول.
الكثيرون تناولوا فكرة حل «جهاز أمن الدولة» بسعادة وإحساس بالخلاص من قطاع قد استباح التعذيب وسيلةً، واجتاح خصوصيات وحريات المواطن المصرى اعتيادا. وذلك على مر عقود منذ بداياته فى ظل الاحتلال البريطانى سنة ١٩١٣، حيث عرف «بقسم المخصوص»، وتحوله فى عهد عبدالناصر ليعرف باسم «المباحث العامة»، ثم تطوره فى عهد السادات ليحمل اسم «مباحث أمن الدولة»، إلى أن سُمى «جهاز أمن الدولة» فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك.
أما البعض الآخر فيتخوف من تبعات حل هذا الجهاز. يتساءلون هل يعنى حل جهاز يحمل اسم «أمن الدولة» أن «أمن» المجتمع سيتلاشى؟ ربما الرجوع إلى الأصل التاريخى فى ظل الاحتلال والتوقف عند كلمة «المخصوص» يجعلنا نقترب أكثر من طبيعة الممارسات فى هذا القطاع «الأمنى» ضد حريات المواطن المصرى على مر العهود، فالكلمات خادعة، بالقطع، جهاز يطلق عليه «أمن الدولة» يوحى بضرورته، ولكن حين يكون «أمن أفراد المجتمع» هو ما يستهدفه هذا الجهاز استهدافا، فحل مثل هذا الجهاز قد يكون منطقياً ومطلباً شرعياً للمصريين بعد الثورة التى تنادى بعلاقة جديدة بين «المواطن» و«حكومته». ولكن مع «حل» الجهاز تجب دراسة «إحلاله وإعادة هيكلته» والاستفادة من كوادره الجيدة وإعادة اختصاصاته ووضع جهات رقابية عليه.
فالسؤال هو: هل الأمن «للدولة» أم الأمن «للمواطن»؟ فى العلاقة المعكوسة السابقة كان يُنظر للمواطن بعين الريبة والاحتمالية الدائمة «للخطر» على الدولة. ومن ثم تُبرر استباحة حقوقه وحرياته «فى المطلق». «فالفرد» لم يكن بقدر الأهمية التى تكنها الأنظمة السياسية السابقة «لكيان الدولة» التى طالما استمدت شرعيتها من ذاتها وليس من ناخبيها «كأفراد».
ولذلك قد تُنبئ تلك الخطوة بالتطبيق الفعلى لعلاقة جديدة بين المجتمع والدولة تكون فيها حريات المواطن «كفرد» هى محور الارتكاز، فلا نرى «خالد سعيد» آخر. وإن رأيناه، تهتز للواقعة السلطات الرقابية والقضائية لأخذ حقوق الأفراد ونشر الأمان بين المواطنين وليس حماية «لأمن الدولة».
أما عن الشرطة، فقد قرأت أن عدداً من الضباط توحدوا باسم «المجلس الائتلافى لضباط الشرطة»، مطالبين وزير الداخلية بمصارحة الرأى العام بكل ما حدث أثناء ثورة ٢٥ يناير و«الاعتراف تفصيليا بأخطاء جهاز الشرطة فى حق الشعب».
أرى فى هذه المبادرة أهمية قصوى. فهذا ممكن تطبيقه على غرار لجنة «الحقيقة والمصالحة» «Truth and Reconciliation» بجنوب أفريقيا والتى اعتمدت مبدأى الاعتراف والإقرار كأساس لأى تصالح. من هنا جاءت أهمية المحاكمة العادلة لمن مارس «إرهاب الدولة» أثناء ثورة ٢٥ يناير.
هذا يوصلنا لماهية الخطاب السياسى Political Communication فى مصر بعد الثورة. فعلى كل من فى الخدمة العامة الآن، الانتباه لهذا المجال الفرعى فى العلوم السياسية. فالفترة الحالية أثبتت أن عبارة ما من ممثلى الدولة مثل «مصر غير مستعدة للديمقراطية» أو نبرة «استعلائية» ما من وزرائها، قد تكلف صاحبها مستقبله السياسى. إذن هذه بالفعل مؤشرات لتغير فى العلاقة بين «الدولة» و«المجتمع».. هل التغير للأفضل؟ لعله كذلك. فى الأخير، حرية المواطن لا تعنى أبدا الإخلال بالأمن القومى للبلاد. المعادلة صعبة، ولكن الأمل يكمن فى ثقتنا فى أنفسنا كمجتمع وفى ممثلينا الحاليين والمنتخبين القادمين فى مؤسسات الدولة.
*زميل مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة واشنطن، سياتل، الولايات المتحدة الأمريكية
| |
|